اعلم رحمك الله بأن الغاية القصوى والذروة العليا والمطلب الأسنى والمقصود الأعظم أن يحظى العبد بمحبة الله له ومن أحبه الله هانت عليه المشاق وانقلبت عليه المخاوف في حقه أماناً وانقشعت عنه سحائب الظلمات وانكشفت عن قلبه الهموم والغموم والأحزان وعَمُرَ قلبه بالسرور والأفراح وأقبلت إليه وفود التهاني والبشائر من كل جانب.(تحفة الذاكرين-الجواب الكافي-طريق الهجرتين،لابن القيم-رحمه الله- بتصرف يسير.)
إن الآيات القرآنبة التي جاءت دالة على المحبة ،بينت محبة الله لعباده تفضلاً وكرماً، ودلت على وجوب محبة العباد لربهم تقرباً وطاعة، وجوب محبة الرسول –صلى الله عليه وسلم- وجوب محبة المؤمنين بعضهم لبعض والآيات في هذا الموضوع كثيرة جداً ولكن بتقسيمها تقسيماً موضوعياً نستطيع معرفتها بشكل أوضح وذلك كالتالي:-
* الآيات الدالة على محبة الله -سبحانه –ومنها على سبيل المثال لا الحصر :(وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) البقرة/195
(إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) البقرة/222
(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) آل عمران/31
(إن الله يحب المقسطين) الممتحنة/ 8*الآيات الدالة على محبة العباد لربهم ولرسوله – صلى الله عليه وسلم- ومنها:(والذين آمنوا أشد حباً لله) البقرة/165
(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) آل عمران/31
(فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه…) المائدة/54
*الآيات الدالة على المحبة عند العباد عموماً سواء كانت لأعمال صالحة أو غير ذلك ومنها:(زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين…) آل عمران/14
(لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) آل عمران/92
(وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب) الصف/
13والآن أحبتي الكرام نقف مع إحدى هذه الآيات وقفه تفسيرية وتربوية نستجلي منها الفوائد والعبر من خلال كلام المفسرين وأهل العلم.
قال تعالى
ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) المائدة/54
يقول الشوكاني-رحمه الله -: "ثم وصف سبحانه هؤلاء القوم بهذه الأوصاف العظيمة المشتملة على غاية المدح ونهاية الثناءمن كونهم يحبون الله وهو يحبهم ومن كونهم (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) "
(فتح القدير75/2).
يقول سيد قطب-رحمه الله- : " والصورة التي يرسمها الله للعصبة المختارة هنا صورة واضحة السمات قوية الملامح وضيئة جذابة : (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) …فالحب والرضى المتبادل هو الصلة بينهم وبين ربهم…الحب…هذا الروح الساري اللطيف الرفاف المشرق الرائق البشوش هو الذي يربط القوم بربهم الودود، وهنا- في صفة العصبة المؤمنة المختارة لهذا الدين- يرد ذلك النص العجيب : ( يحبهم ويحبونه) ويطلق شحنته كلها في هذا الجو، الذي يحتاج إليه قلب المؤمن وهو يطلع بهذا العبء الشاق، شاعراً أنه الاختيار والتفضل والقربى من المنعم الجليل." (في ظلال القرآن918-919/2).
والكتاب العزيز -كما أسلفت – مليءٌ بالآيات الدالة على هذه المنزلة العظيمة والوقوف عليها جميعاً يحتاج إلى بحث مطول ولكن المراد هنا أن نقف مع هذه المنزلة الجليلة والدرجة الرفيعة وقفة سريعة لتذكير النفس بهذه المرتبة العلية.
يقول ابن القيم –رحمه الله- : "قال أبو بكر الكتاني: جرت مسألة في المحلة بمكة أعزها الله تعالى -أيام الموسم – فتكلم الشيوخ فيها وكان الجنيد أصغرهم سناً فقالوا :هات ما عندك ياعراقي فأطرق رأسه ودمعت عيناه ثم قال : عبد ذاهب عن نفسه ،متصل بذكر ربه ،قائم بأداء حقوقه ،نظر إليه بقلبه ،أحرقت قلبه أنوار هيبته ، وصفا شربه من كأس وده ،وانكشف له الجبارمن أستار غيبه، فإن تكلم فبالله ،وإن نطق فعن الله ، وإن تحرك فبأمر الله ، وإن سكن فمع الله فهو بالله ولله ومع الله ،فبكى الشيوخ وقالوا: ما على هذا مزيد" (مدارج السالكين 18/3).
فإذا غرست شجرة المحبة في قلبك ،وسقيتها بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب-صلى الله عليه وسلم- أثمرت أنواع الثمار وآتت أكلها كل حين بإذن ربه أصلها ثابت في قرار القلب وفرعها متصل بسدرة المنتهى.
إذاً فحب الله ورسوله-صلىالله عليه وسلم- وحب المؤمنين في الله معنىً عظيم وصفة نبيلة إذا اتصف بها العبد وحققها سَعِدَفي الدنيا والآخرة ، وفي ختام هذه الوقفة السريعة مع هذه المنزلة العظيمة أسأل من الله أن يجعل حبه في قلوبنا أعظم من كل شيْ وحب رسوله –صلى الله عليه وسلم- وأن يحببنا إلى المؤمنين ويحببهم إلينا ، وأن يكون ذلك فيه سبحانه وتعالى.