كيف لي أن أذهب إلى عزاء أم فقدت ولدها الوحيد،
بمكياج كامل وأصابع مثقلة بخواتم الألماس كبيرة الحجم،
وعلى كتفي تتدلى أحدث حقيبة في عالم الماركات العالمية وبنفس لون الحذاء اللافت للانتباه،
وكأنني ذاهبة إلى حفل زواج أو عيد ميلاد؟
كيف لي أن أنفجر ضاحكة حين تتعثر الخادمة بأكواب الشاي وسط صمت الحضور، احتراماً لفتاة فقدت شقيقتها ووالدتها في يوم واحد؟
كيف لي أن أفوت فرصة أخبر فيها الجميع بمن فيهم العروس، التي رحل زوجها فجأة، قبل أن يرى طفله البكر وفي العزاء الرابع، أنني أملك شقة في لبنان وبصدد شراء شقة أخرى في مصر، وأن عليها أن تستثمر الورث الذي ستحصل عليه مثلي؟
كيف لي أن أزور مريضة شابة مصابة بالمرض الخبيث وأسألها: هل هناك هل هناك أمل في شفائك أم أن أيامك أصبحت معدودة، وأتظاهر بالحنان وأنا أداعب أطفالها الصغار وأتساءل مرة أخرى: وماذا سيفعل هؤلاء المساكين من دونك؟
كيف لي أن أقول لأم، ولدها سيدخل غرفة العمليات بعد قليل ليجري عملية في عموده الفقري، إنه معرض ليصاب بالشلل لأن فلانا وفلانا أجريا نفس هذه العملية من قبل، أحدهم لم تنجح عمليته و الآخر أصبح يتحرك على مقعد؟
كيف لي أن أقول لكل واحدة من صديقاتي على حدة، أنا أجمل منك لو رأني زوجك لتركك وجرى ورائي، فجمالي لايقاوم، ثم حين يتركنني واحدة بعد الأخرى أتعلل بغيرتهن، وأتباكى على زمن الصداقة الجميل؟
كيف لي أن أتذمر من وقاحة أطفال الآخرين، وحين يشتم طفل جارتي ويكسر تحفة فنية قاصدا، أكافئه بقلبة أمام الجميع حتى لايتعقد عندما يكبر؟
كيف لي أن أصفح عن قريبتي التي أعارتني خادمتها مدة شهر، ثم عادت تطالبني بها بعد عودتها من السفر، وبعد أن أعتدت عليها وأصبح بيننا عيش وملح كما يقولون، وكيف لها أن تغضب لأنني استوليت على صديقتها الوحيدة، وتقاطعني لسبب تافه؟
وأخيرا كيف لنا أن نتعامل مع هذه النماذج من البشر، التي تمتص قدرتنا على الصبر والتحمل، يوما بعد يوم،
ومطالبين بأن نوجد لهم أعذارا في حين لا عذر لهم؟